Tuesday, January 10, 2012

فسادنا من صنعنا

الفساد - فسادنا من صنعنا

كلمة قديمة حديثة، بدأت مع عصر ما يسمى "الربيع العربي" تحتل مختلف وسائل الإعلام بصورة واسعة سواء كان ذلك بعلم أو بعدمه. لماذا الآن؟ يبدو أن الشعب العربي جملة وتفصيلا قرر أن يستيقظ من سباته الطويل ولكن المشكلة الوحيدة أنه منقاد خلف مفاهيم "كبيرة" على مستوى البعض. هذه المشكلة تشكل معظم المصائب التي تقع في وقتنا الحالي.

ليس مهما لماذا سكت الشعب الفلاني عن رئيس ظالم وأناني، وليس أهم من ذلك أن شخصا قرر التضحية بدنياه وآخرته بسبب ضيق ذات اليد.، وليس وليس وليس... قد نمضي اياما في التعداد والنقاش وهذا ليس موضوعي. بنظرة خاطفة نستطيع ان نرى أننا جميعا "مذنبون" فيما حصل ويحصل وسيحصل في أوطاننا، ودرجة جهلنا، أو بطريقة أخرى لا وعينا، أننا ننقاد وراء الأبواق التي تود توجيهنا بأفكارها المريضة إلى اتجاهات غير منطقية.

أصبحا الآن لا نرى إلا أشخاصا فاسدين في مختلف المراتب والوظائف، خاصة الحكومية ومواقع المسؤولية. صحيح أن بعضهم ينطبق عليهم معنى الفساد، ولكن البعض الآخر ليس من هذه النوعية. أبواق الجهل أقنعتنا بأن الجميع فاسدين، وهو خطأ. لماذا لا نبدأ بتطبيق المقولة "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"؟ أم أننا نخاف أن نكتشف أننا فاسدين أو أننا أطراف أساسية في هذه المصيبة؟
  1. قبل أن ندخل أي دائرة حكومية من أجل أي معاملة، بسيطة وسهلة كانت أم مهمة ومعقدة، نبدأ بالبحث عن "واسطة" وهنا يكون كل منا على معرفة بجميع أفراد العائلة ومستوياتهم الوظيفية ويكون في أغلب الحالات قد بنى علاقات قوية جدا مع من سيلزمونه في المستقبل. للعلم أن معظم المعاملات تتم بدون الحاجة إلى اي معونة أو مساعدة خاصة من الداخل طالما أن الأوراق مكتملة وصحيحة. أليس هذا أحد أشكال الفساد الشخصي؟
  2. كلنا متهمون بالسرعة في شوارع وطننا الحبيب مع كامل علمنا أن حوادث مميتة تقع في مختلف المناطق والشوارع ويكاد لا يخلو بيت من ضحية من ضحايا هذه الحوادث. مع كل هذا نطلق بسياراتنا وكأننا في سباق سرعة أو معركة تحديد مراكز قوة وسيطرة على الطرقات (داخلية وخارجية على حد سواء). في خضم هذه المنافسة المحتدمة ننقلب إلى ملائكة تطبق النظام والتعليمات إذا ما أحسسنا أو لمحنا إحدى السيارات المعنية بتطبيق النظام (شرطة السير أو الدوريات الخارجية) لتنخفض سرعة المركبة من 120 (أو أكثر) إلى 80 أو أقل حتى في المناطق التي تم تحديد سرعتها ب 100 كلم/ساعة. أليس هذا فسادا ايضا؟
  3. في حال أننا لم ننتبه للسرعة وقامت إحدى الدوريات المعنية بإيقافنا، فإن أغلبنا مستعدون للبحث عن أصدقاء لهم علاقة بالشرطي الذي على وشك أن يقوم بتحرير مخالفة لنا.مع أننا نعلم ومتيقنين أننا مخطؤون إلا أننا نود تجاوز المخالفة. هل يمكن اعتبار هذا من أشكال الفساد وأنواعه المختلفة؟
  4. قد يصل الحال في البعض أن يقوم باستغلال نفوذه ليقوم "بشطب" المخالفة عن سجله مع أنني أشك أنه يتم تحويلها إلى سجل شخص آخر لا علاقة له إطلاقا. ألا يعتبر هذا أكثر من الفساد أيضا؟
  5. عندما ندخل أي مبني حكومي، أو بنك، أو مؤسسة خاصة لإنهاء معاملة أو دفع فاتورة، يصيب بعضنا حالة من عمى البصر والبصيرة الغريب الذي يجعله يتجاهل وجود العشرات الواقفين في الدور قبله ويبدأ بالحث عن الموظف المعني بحجج "كذبات" مختلفة ليتمكن من إنهاء معاملته بتخطي الجميع. أليس هذا فسادا في ثلاثة أطراف مختلفة (صاحب المعاملة، الموظف، والمنتظرين في الصف)؟
  6. التملق و "تمسيح الجوخ" لأصحاب النفوذ والقرار والسكوت على أخطائهم، وتأييدهم في الباطل، ألا يعتبر أحد أشكال الفساد؟
  7. أن أقود سيارتي في الشوارع وكأنها مملوكة "للي خلفني" وما بسمح لأي حد إنوا يتجاوزني مع أن سرعتي 60 على المسرب الأيسر في شارع المطار ولكنني استخدم الهاتف وأدخن سيجارة في بعض الحالات في تكون معي كاسة قهوة لزم المزاج والسلطنة" . عندما أدخل بسيارتي من شارع فرعي إلى شارع رئيسي أو أدخل إلى الدوار وأصبح فجأة صاحب الأولوية المطلقة، أليس هذا كله من أشكال الفساد؟ 
  8. التدخين في الأماكن المغلقة، والمطاعم، والمستشفيات أحيانا، وأماكن تواجد الأطفال، وداخل منزلي المغلق مع كل عائلتي، ألست أحد أعمدة الفاسدة في هذه المواقف؟
  9. أن أقف في عرس وأقوم بسحب مسدسي وأقوم بإطلاق بعدد من العيارات النارية الطائشة لأثبت أنني رجل وأنني أحب العريس وتنتهي طلقتي في رأس طفل لا حول له ولا قوة وعندما تسألني الشرطة إن كنت قد رأيت أي شيء أقوم بحلفان أيمان مغلظة على كتاب الله بأنني لم أرى أو أسمع شيئا. هنا أنا أحد أعمدة الفساد وأحد كبار المتواطئين لانتشاره.
  10. أن أكون أبا لا يعرف أين يقضي أبناؤه وقتهم أو مع من أو كيف وحين أكتشف أن أحد أبنائي (لا قدر الله) يدخن أو يتعاطى المخدرات أو وقع في إحدى المحظورات الدينية أقول لنفسي "ما هو أنا عملت اللي علي بس ابني ما برد علي!!!" ألست من مؤسسي الفساد؟
  11. ان أكون لا مباليا بوطني وغير منتمي بسلوكياتي (كلها أو جزء منها) ولا أقوم بتعليم أبنائي حب الوطن فأنا فاسد وأربي جيلا فاسدا.
أليس هذا الجزء الأكبر من أسباب الفساد في وطننا؟ ومازلنا نقف موقف المتفرج ونريد أن يأتينا فارس على جواد أبيض ليقوم بنزع الفساد من أصوله ونقوم بالتصفيق له؟ لماذا لا يعمل كل منا على متسواه الخاص وعلى مدى مقدرته لتصحيح الأخطاء التي يتسبب بها أولا والتي يراها أمامه ثانيا لنرقى بأنفسنا ووطننا إلى المستوى الذي نريده جميعا ونطمح أن نرى أنفسنا وأجيالنا القادمة عنده.